تـُـفـّـاح .

الشّيطان قال مالم تقلهُ الملائِكة , بابُ الجنّة أغلقَ , آدم يهبِط للأرض , وحوّاء لا تريد .
وأنا أكتب الشّعر لكم ; منذ عشرين قصيدة في حقيبتي أو تزيد .

 
يموت الانبياء فُرادى , يموت العاشقون حَزانى , ويموت الخوَنة جماعات .
وأنا متّ قبل أن يعلّم اللهُ الأسماءَ أبي , قبل أن يزرع الله التفّاح في صدر أمي .
الآن آدمُ مات , وتفّاح أمّي يسقط عن صدرها ..

 

 

الثّمرُ المحرّم عليّ امرأة ًتشبه أمّي , الثّمر المحلّل لي قلباً لا يشبه قلب أبي ..

 

 
من أحضر حرّاس الحاكم يا يوحنّا , ثلاثة أيّام كتب الله كلاماً لا يشبهني ..
من قبّلني وخان أبي , وأنا أطعمكم خُبزي قلبي , من أحضر حرّاس الحاكم يا يوحنّا , ثلاثة أيّام نادتني أمّي أبتِ وعرفتُ بأنّي مغادِر هاذي الليلة , تلك المرأة الـ تشبه أمّي , يتدحرج ذنبي من عينيها , يسقط  تفّاحٌ أحمر , بين يديها من نهديها , تلك المرأة تشبه همّي , تُعِدّ صليبي بين السبّابة وبين البنصر .

 

 
الشّعرُ كلامي قبل أن يطردني ربّي .. قال الشّيطان الآن وهبتك شِعراً لا يتوقّف , لا تطرد أولاء النّسوة , قطّعن التّفاح لأجلك , الآن وهبتك شعري كلّه , لا تطرد أولاء النّسوة , قطّعن التّفاح لأجلك , ومُدّ يديكَ لصدر زُليخا , وكُلْ كلّ ثماري , الآن وهبتك تفّاحاً لا يسقط أبداً , تفاحاً لا يُخرجكَ من الجنّة ..

تعال إليّا وقدّ قميصي , هيت كثيرا جداً .

 

 
يمدّ الحُزن الخطوة , يسعى سبعاً ويطوفْ ,  ويصلّي فوق جبيني ألف صلاه ..
يحتلّ نبيّ آخِر صفٍ في همّي ويدعو أن يأخذني الله .

 

 
ماذنبي يا الله .! ..
لم أرفض أن أسجد للطين , لم آكل تفاحك , لم أقتل إبن أبي , لم أقتل يوماً أي نبيّ , لم أعلن أنّي ربهم الأعلى , لم أقطع رقبة زكريّا بالمنشار , لم أقتل يحيى , لم أغتال إمام المسجد في رمضان , لم آكل تفّاحاً من بيت زليخا , لم تحبل منّي بنت الجيران ..

 

 

يقسمني حُزني نصفين

مثل التّفّاح , …. .
يقطعني نصل السكّينِ ولا أرتاح

إثنا عشر غصناً , إثنا عشر حزناً .

1

لمّا انْحَنَيْتُ للعَاصِفَة , دَاسَتْ عَلَيّ شَجَرَةٌ هَارِبَة ..

 

 

2

لِمَ تَغْتَالُنِي الأشْجًارُ .. دائماً , و .. حتى أنَا ..
حتى أنا غُصْنٌ نَحِيِلٌ والله .. غصنٌ نحيلٌ و ” في حَالِي ” , ولَمْ أخْدِشْ خَصرَ شَجَرَةٍ في حَيَاتِي ..

 
3

[ زمان .! ] , كّانَ المَرْجُ جَبِيِنِي .. [ الآن .؟ ] , يَرْقُصُ الأَلَمُ على رَاحَتِي ..

 
4

دَوْمَاً , دَوْمَاً , دوماً أشْعُرُ أنّنِي مَقْطُوعٌ مِنْ شِجَرَة ..

 
5

جَدّتِي تَقُولُ بِأنّي نبتٌ شيطانيّ , وأمّي تَدّعِي أنّني بِذرَة غَيرها , وأبِي يَهُزّ رأسَه موافقاً ..
وأنا .؟! , ..
أنا لا أعرِفُ من أيّ الجُذُورِ طلَعت ..!

 
6

والآن ..
الحُزْنُ في صَدْرِي شَجَرَة عَتِيِقَة تَرْفَعُ أغْصَانَهَا لِلسّمَاءِ ..

 
7

لأنّنِي بِلا أُمّ .

 
8

لأنّنِي بِلا أَبّ .

 
9

بِلا إخوة .

 
10

بلا أخوات

 
11

بِلا أصدقاء .

 
12

لأنّنِي وَحِيدٌ , وبَرْدَانٌ , ومَا عِندي مِعْطَفٌ يَقِيَنِي شَرّ الحُزْنْ

الطّبلُ قلبي , الأوتارُ أوردتي .

ياربّنا , إني أعتذر لكّ عن :

( البُكاء ) .

إنْ جئتُ يوم القيامةِ بَاكياً , فلأنّ أوجَاعِي مَعي .
إن جِئتُ مُنحنياً ومُنكسراً , فلأنّ شجرَ أحزَاني لا زالَ يطرحُ أدمُعي .
إن جئتُ بلا ذِراعي , بلا فمي , بلا لِساني , بلا دَمي .

إن جئتُ بلا يدي ; أنا آسفٌ جداً يا سيّدي ..

أنا لن أموت في هذهِ الليلة , أنا لم أحضّرَ نفسي جيّدا هذا المَساء , أنا لا أرتدي شيئاً غير خطيئتي , وبيني وبينكَ ; ما معي إلا البُكاء .

———————-

أعتذر لك عن ( الكلام ) .

ماذا أقول يا سيّدي ..

ماذا أقول ومنذ البارحة ; بُكاؤنا يهطل علينا , ماذا أقول ; حتّى دعاؤنا يا سيّدي يرجع إلينا .

———————–

عن ( الحياة ) .

إعرض عليّ اقتراحاً واحداً وسأقبله ..
هل أنتحِر ! , وأنهي كل المسألة !, ..
هل أختصرَ المسافَة والزّمن , وأموتُ بملء إرادتي وبرغبتي وبلا ثمَن ! ..

لكنّني أخشى يا سيّدي إن موّتّ نفسي ; لا أموت .
لكنّني أخشى أن تقف الرصاصة بين الزّناد وأضلعي , .. ولا تفوت .
————————-

عن ( الغِناء ) .

يا سيّدي , إبقَ معي ..
إني أغنّي هذه الأحزان بمفردي .
الطّبلُ قلبي , الأوتارُ أوردتي , وإصبعي ..

صوتي بكاء , وفرقتي :
طفلٌ حزين , وتعاستي , وأمّي التي لا تبكي عليّ وأخوتي , وغياهبِ الجبّ في قلبي , ووحدتي , والوجع الذي أكَل من رأسي ” سعادتي وذكرياتي ومُتعتي ” ,
والخيل والليل ,والبيداء التّي …..
————————-

عن ( الحبّ ) .

الحبّ :حُجّة ” الوحيد ” ..
والفرقى : قدر
لا بدّ أنّي لا أجيد , سوى الكلام عن المطَر ..
————————–
عن ( البقاء ) .

و” هزّ إليكَ بجذع ” الرحيل , لأسقط جنيّاً مثل الرّطب
وأمهلني ” الليل نصفاً إلا قليل ” , لأكتب لك بيتاً من عتَب .

————————————

 

كيف ستبدوا الكِتابة بعد الأربعين .

41

الـكِـتــابـة فـعـلُ أمــر .

42
هـل يُـزعـجـكِ صـوت أنـيـنـي ! :
… خـلّـي يـديـكِ عـنـد جـبـيـنـي .

43

أيّ سـرّ أحـمـل ؟! :
…. لـلأسـرار لـغـة ; اسـمـهـا الـنّـدوب

44

أنا أكـتـب , إذن أنـا ( مــوجــوع ) :
” ديـكـارت ” لـن يـقـاضـيـنـي عـلى الـبـنـد رقـم ( 44 ) , لأنّ ” ديـكـارت ” يـفـكّـر , وأنـا أكـتـب , ” ديـكـارت ” مـوجـود , وأنـا مـوجـوع

45

الإنـسـان الـطـبـيـعـي , عـقـل يـتـحكّـم فـي عـشـرة أصـابـع :

وأنــت :
إنـسـان غـيـر طـبـيعـي , أصـابـعـي العـشـرة تـتـحـكّـم فـي عـقـلـي

46

فـي مـحـراب الـعـبـادة , عـشـرة يـصـلّـون خـلـف الإمــام :
في مـحـراب الـكِـتـابة , أنـا أصـلّـي خـلـف أصـابـعـي الـعـشـرة

47
إذا لـم أخـبـز حـزنـي , أكـلـت أصـابـعـي

48

أنـا أكــتــب :
وجـهـي الآن يـشـبـه ” حـجـر رشـيـد ” , قـديـم , غـامـض , ومـلـيء بـالتـعـويـذات الـهـيـروغـلـيـفـيـة

49

أنا ” لا أكـتـب ” , ولـكـنّـي أتـجـمّـل
أحـمـد زكـي أيـضـا لـن يـقـاضــيـنـي عـلـى هـذه الـجـمـلـة , لأنّـنـي لا أكـتـب , وأحـمـد زكـي ” لا يـكـذب ” , لأنـنـي أتجـمّـل , وأحـمـد زكـي مـيّـت

50

النّـخـل المـحـنـيّ أصـابـع يـدي , الـرّيـح الـعـاصـفـةُ تـأكـل كـبـدي

51

وأنـا أكـتـب أبـكـي بـعـض الـشّــيء , وأنـا أبـكـي أكـتـب بـعـض الـشّــيء

52

الـبُــكــاء :
صـلاة اسـتـغـاثـة لـم أدع إلـيـهـا

أعرفُ فقط هذه اليدّ .

أعرف فقط كيف تبدو اليد تصفع , اليد التي تردّ الباب , الإصبع الذي يلوّح بالتهديد , الذي يفقأ العين , الذي يشير لي بالسّكوت , أعرف اليدّ التي تحمل الحقيبة وترحل , التي سرقتني , أعرف الإصبع الذي يشي للآخرين بي , الذي يلمز عليّ , الإصبعان اللذان يقرصاني في كفّي الأيمن , اليدان اللتان تمسكان ياقتي بشدّة وتهزّني , أعرف اليد التي نزلت على قفاي , واليد التي جرّتني من ثيابي , أعرف اليد التي ترمي لي قطعة الخبز على الأرض , أعرف الإصبعين اللذين كانا يشدان أذني , أعرف اليد التي تحمل السكّين , والتي تعلّق لي المشنقة , والإصبع الذي يضغط الزّناد , والتي تجلدني بالسّياط , أعرف اليد التي ستكتب نعيي في صحف الغد , الإبهام الذي أعضّ كلّ مساء , أعرف اليد التي دلّتهم عليّ , واليد التي خانت , التي أدرت لها خدّي الأيمن , ثمّ خدّي الأيسر , ثم خدي الأيمن , ثم خدي الايسر, ثم خدي الأيمن , ثم خدي الأيسر , أعرف الأصابع العشرة التي خدشت ظهري , وصدري , ووجهي , وذراعاي , أعرف اليد التي لم تحنو عليّ , التي لم تمسح جبيني , التي لم تربّت على كتفي , أعرف اليدان اللتان كتمت أنفاسي , أعرف وظائف الأصابع جيداً , هذا الإصبع الذي يضغط على جرحي , وهذا الإصبع الذي يتّهمني , وهذا الإصبع الذي لا يحمل خاتم زفافي , وهذا الصّغير الذي لا وظيفة له ..
وأعرف جيّداً الإصبع الأوسط الذي أشير بهِ إليكم

الموتُ نبيلاً .

– كِتابة مذكّراتي خيارٌ قد ألجأ إليهِ بعد وفاتي !..

نعم; بعد..

مذكّراتي; أعني ما لم أكتبهُ هنا، ما سَكتّ عنهُ طوال حياتي، ما لم أحكهِ أبداً لأحد ونجحت، ما حاولت أن أخفيه عن الله وفشلت، ما لم يقرأهُ سوى العفاريت التي تشاركني الكتابة، والشياطين التي تشاركني السّرير.

بعد وفاتي; يعني أن أكتبها قبل أن أموت وأسمح بنشرها بعدما أموت، أن أكتب المسكوت عنهُ في حياتي، الذي لم أجرؤ على ذكرهِ لأحد، الذي يقتلني كلّ يوم، وكلّ ساعة، وكلّ دقيقة، وكلّ ثانية.

المسكوتُ عنهُ ; الذي لا أستطيع نشره الآن; إلا لو:

( ………………… ) .

حسناً:

لارتكاب جريمة قتل ; تحتاج إلى أن تمرّ في حياتك بتجربة سطرٍ واحدٍ يشبهُ ما كتبتُ بالأعلى، وأنا لديّ أحد عشر سبباً تسمح لي أن أحصل على بندقيّة.

1 – أن أكون شاعراً فهذا يعني أنّي أركض في مرجٍ أخضرٍ واسعٍ وجميل، لكن هذا يعني أيضاً أني لست من سيحمل البندقيّة.

2 – أن أكون بندقيّة، يعني أن أقتل كلّ قصائِدي التي تركضُ في المرج.

3 – أن أكون قصيدة، يعني أن أطلق الرّصاص على أصابعي وأكتب.

4 – منحني الله القدرة على الكِتابة، ثمّ خلق لي مأساة عظيمة لا أستطيع الكِتابة عنها; هذا يعني أن الله أطلق أصابعي في الهواء، ثم أطلقتُ الرصاص على أصابعي.

5 – يا سيّدي، أعطيتني الشّعر والمآسي الكثيرة، على الأقلّ;.. على الأقلّ أعطني بندقيّة.

.

.

7 – أعطِني بندقيّة، أو أعد لي إصبعين.

8 – سبّابتي تسرّبُ كلّ سرّ دفنته لإبهامي، ويفضحاني، أرجوك ; أعطِني بندقيّة.

9 – لو افترضنا أنّ الفكرة سِرب حمام، وأنّ القصائدَ حقل، ………. أرجوكَ بسرعة أعطني بندقيّة.

10 – لو افترضنا أن الشّعر غناء ، وأنّي في لحظة سلطَنة، …….. أعد لي إصبعين فقط.

11 – الموت بأناقة هو ما يجب أن يفعله شاعر مثلي:

أن أقف وأنا أرتدي حزُني الأسود كامِلاً، أن أنحني لألمّع سُمعتي السّوداء جيّداً ، الموت بأناقة أن تقف كلّ قصائِدي أمامي على الطاولة، أن أؤدّي لها التحيّة، ثمّ أضع ماسورة البندقيّة تحت ذقني وأطلق الرّصاص..

تحت ذقني; إذ يجب أن أموت مرفوع الرأس أمام قصائدي.

.

.

.

أعطني بندقيّة.