قـُـبـَـل و نـِـصـَـال

” يهوذا ..!
أ بقبلة .! , تسلّم ابن الإنسان ؟! ” ..

السيّد المسيح

——————————–

الحب لا ينتهي بالفراق , الحب ينتهي بالخِيانة .
وربما بقبلة ..

تصبح الأشهر في التاريخ .

مثل يهوذا .

إذ أنّ الخائِن الذي يغرس خِنجره في القلب تماماً , لا يعرف أنّه قبل أن يطعننا طعنَ نفسه ; لأنّه كان يسكن القلب , هناك حيث يصل نصلُ الخنجر ..
ويموت , ونموت , ويموت الحبّ .

لهذا أقول بعكس الاعتقاد السّائِد أن الخِيانة طعنة تأتي من الظّهر ; أنا أعتقد أن الخيانة لا تأتي إلا من الأمام , ومن شخصٍ أسكنتهُ قلبك , وأعطيته حُضنك , وأدرتَ لهُ خدّك الأيمن ليصفعه .

الطعنة من الأمام تقتلك في اليوم ألف مرة , لا لأنّك رأيت وجه قاتلك .. لكن لأنّك تمنّيت لو لم ترَه .

لأنّ وجهه , وضحكه , وكلامه , وأحضانه , وقُبلاته , ودموعه , التي كانت ..
ستطاردكَ طول العمر , طول الجرح ..
وقتها ننسى الطّعنة , ونتذكّر اليدّ التي صافحناها .
ننسى الخنجر , ونتذكّر باقة الورد التي رتبناها .
ننسى حتّى اليوم الذي بصقوا فيه في وجهِنا , ونتذكّر الشفاه التي قبّلناها .
إنّ ما يقتلنا ; أنّنا وفي اللحظة التي نُطعن فيها , في هذه اللحظة الدقيقة والتافهة والقصيرة من عمر الوقت , وتحديداً أوّل ما يخترق رأس الخنجر أوّل طبقة من شغاف قلوبنا , .. في تلك اللحظة ; لا نُحسّ بألم الطّعنة .. ” تسرقنا السّكّينة ” , في تلك اللحظة المُرعبة والمخيفة , لا نفكّر إلا في من أحببناهم , وكيف أحببناهم , ومتى أحببناهم , ولماذا هم الآن وفي هذه اللحظة الصّادمة , لماذا في هذه اللحظة تحديداً ; يذبحوننا ..
نفكر فيهم , بالضّبط في الوقت الذي يغرسون فيه أصابعهم العشرة بين أضلاعنا وينتزعون قلوبنا , وأكبادنا , وأرواحنا , ويُنهون قصّة حبّ في لحظة غدر .

الدمّ النازف منّا لا يقتلنا , إن ما يقتلنا حقيقة هو الذكريات الجميلة التي تنزّ من مكان الطعنة , ببطء شديد , ..
نظرة نظرة , ضحكة ضحكة , كلمة كلمة , لمسة لمسة , ضمّة ضمّة , قبلة قبلة ..
حبّنا كلّه ينزف من ذلك الثّقب الضيّق , الضيّق جداً , جداً ..
وهذا يؤلم ..
لذلك ; نحن ننسى أي مخلوق في الدنيا ; أسرع مما ننسى حبيب خائن ..
لأنّهم نظروا إلى أعيننا وهُم يغرسون خناجرهم في قلوبنا , وهم يطلقون علينا الرّصاص , وهم يركلون من تحتنا الكراسي لكي نموت شنقا وعشقا وحسرة ووحدة ..

نظروا إلينا بكلّ جرأة , وبكل قسوة , وبكلّ تحدّ , وبكل غدر , وبكل دناءة , وبكلّ صفاقة .! ..

ولهذا قبّل يهوذا المسيح قبل أن يسلّمه للرومان , كان يقبّله وكان يضمّه , و .. كان يخونه .! ..

وقال يا معلّم , ثم أشار إليه .
في تلك اللحظة الأكثر ألماً , والأكثر غدرا , والأكثر غرابة في التاريخ الإنساني ..

خان يهوذا المسيح من الأمام .

ولهذا قال يوليوس قيصر جملته الأشهر لما طعنه بروتوس من الأمام أيضا :
” حتّى أنت يا بروتوس , إذن فليمت قيصر ” ..

ولهذا نموت كلّ يومٍ , وكلّ ساعة , وكلّ دقيقة , وكل ثانية ..
نموت ونحن نتلقّى القُبَل , والأحضان , ثمّ الخناجِر التي يدسّها الأحباب في صدورنا ..

 

عندما تحدث الخيانة ; تبدأ في ترتيب ذكرياتك مرة أخرى .
لأن الملاك في قصّة حبّك صار الشيطان , ..
لأنّ القبلة التي تلقيتها على خدّك صارت صفعة , ..
لأن الضحكة التي سمعتها صارت سخرية , ..
لأنّ الكلام كذب , لأن الغناء أنين , لأن الحُضن كفن .

 

الخيانة لا تحدث إلا من الأمام , من الأمام , من الأمام ..
إحفظوها جيّداً ..
حتّى إن سقطنا على الأرض يُمكن لهم أن يدوسوا على أقدامنا , على صدورنا , وعلى جباهِنا ويعبروا لقلبٍ آخر ..

 

———————————

 

نصل
[ أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ ، لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ , لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذلِكَ عَلَى الأَرْضِ .
خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا كُلَّ يَوْمٍ ؛ وَاغْفِرْ لَنَا خَطَايَانَا، لأَنَّنَا نَحْنُ أَيْضاً نَغْفِرُ لِكُلِّ مَنْ يُذْنِبُ إِلَيْنَا ؛ وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ لكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ ] !

يهوذا الخائِن , قبّل السيّد على خدّه الأيمن , وعلى خدّه الأيسر , ثمّ أشار إليهم ليأخذوه .
ليقبّلوني كلّهم , ولا يأخذوني منك

 

 

قبلة

وأنا يا امرأة شفتيّ أحلى من السكّر ,
تًنبت عشبا على كفّيكِ وتُجري على خدّيك نهر ,
أنا قبّلت خدّيكِ , أنا قبّلت شفتيكِ , وقبّلت يديكِ , ثمّ أشارَ يهوذا إليّ , وأخذوني

 

نصل

إنّي أحبّك يا سيّد , هات جبينك عند فمي , هات يمينك عند يميني , هات الصّدر هاكَ السكّين

 

قبلة

قبّل شفتي السّفلى , خُذني .. قبّل شفتي العليا , خذها , ..
– وأنا ؟ أخذوني يا امرأةً أعطيتكِ صدري , وأعطوكِ ذراعي ..

 

نصل

الخوَنة يكفيهم رأس نبيّ , ولا يكفيهم رأس الشّاعر , ….

 

قبلة

الفمّ يخون , الخدّ تُراب , العين تقول , الدّمع سراب .

 

نصل

الشّعر خيانة , الشّعر وطن .
أهرب منه , لأعود إليه , أشي بهِ , لأكتب عنه

 

قبلة

يا أبي .

ما قرأتَ رسائلي ؟! ..
منذ قليل .!

الرّيح ترفع راحتيّ إليكَ
حُطّ عليهما غيما , ورشّ عليهما زنجبيل .

 

نصل

وأنا أكتب هذا الآن , يدّي خانت قلبي
وأنتم تقرأون هذا الآن , تخونكم مشاعركم ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.