سيدي المدير .

أقـدّمُ لــكَ أكـثـر الــمـدراء نـجـاحـاً فـي الـتـّاريــخ .
” الـشـّـيـطـان شـخـصـيـّـاً “

أنا أحترم ” الشيطان ” جدّا , والاحترام هنا لا يعني الاتّفاق معه بأيّ حالٍ من الأحوال ; لكنّ هذا يا سيّدي لا يُلغي أنّي أحترم فيه الأسلوب , المُثابرة , الإمكانيّات , القدرات , الإصرار , والتّركيز على الهدف حتّى يتحقّق .

هذا المخلوق النّاري لا يزال يُدير نصف الكون بجدارة فائِقة , بل وتعدّى ذلك إلى أنّه استطاع أن يسيطر على نسبة كبيرة من النّصف الآخر , ..
هذه النسبة آخذه في التّزايد يا سيّدي , آخذه في التزايد .

إنّ القُدرة على إدارة مجموعة كبيرة من المخلوقات العجيبة , والمتغيّرة , والمتمرّدة , والخطِرة , والتي لا تعرف الرّحمة بهذه السلاسة التي لم تتأثّر عبر قُرون طويلة , تعني أن الشّيطان نفسه بإمكانه أن يصبح مديراً جيّداً .
إن لم يكن قد أصبح فعلاً أهمّ وأفضل مدير في التاريخ .

النّمل تقوده نملة واحدة تافهة وحقيرة , ..
الطيور , الخرفان , الجمال , الفئران وكل المخلوقات غير العاقلة لديها القدرة على القيادة ..
حتّى حمار الوحش في الغابة لديه القدرة على قيادة قطيع كامل من الحمير ..
.
.
ببراعة .

لكن هنا , لا أتحدّث عن الكون العظيم يا سيّدي , ولا عن غابة أو صحراء أفريقيّة ….
أنا لا أتحدّث عن الحمير .
أنا أتحدّث عن فراغ أسمنتي لا يتجاوز الستّ طوابق ..
بعض من تولّوا منصب المدير لم يستطيعوا أن يرتقوا لمرتبة ” آدميّ ” كما أن مجتمع الشياطين لم يقبل بهم ..
أصبحوا مُسوخ في زمن تُدار فيه معركة كونيّة بين الإنسان وبين الشّيطان .
هؤلاء الحَيارى في جنسهم , وفي انتمائهم الأخلاقي فشلوا في أن يديروا مجتمع وظيفي صغير يتكوّن من عشرين موظّفاً فقط .
فشلوا في السّيطرة على عشرين ” بني آدم ” , كان كلّ ما هو مطلوبٌ منهم أن يصبحوا أكثر إنسانيّة وأكثر سيطرة وفشلوا .! , فشلوا في التحكّم في عشرين إسماً .

هل تصدّق هذا ! .

إن الإدارة ليست إصدار أوامر , بل هي _ من وجهة نظري الخاصّة والشخصيّة وغير الملزمة لك يا سيّدي _ هي الطريقة التي يُصدر بها هذا الأمر .

في حقيقة الأمر إنّ فشل رجلٌ واحد في إدارة مكانٍ واحد بسيط وصغير ومُغلق يعني أنّنا سلّمنا الأمر للشّيطان مرّة أخرى ..
كيف استطاع ” الشّيطان ” أن يسيطر على ثلاثة أرباع هذا العالم .؟! ..
صدّق أو لا تصدّق ..
فقط عبر أمثال هذا المَسخ الذي لم يستطع أن يصبح إنساناً , وفشل في أن يجتاز اختبار الشّيطنة .

ماذا يحدث عندما يتحوّل مدير إدارة إلى عدوّ لموظّفيه , العدوّ الأوّل والأكبر لمجموعة كبيرة من موظّفيه .
لا شيء , سوى أنّهم سيمرّوا عليه بأقدامهم ويسحقوه دون أن يشعروا به .
متى يحدث هذا , الله وحده يعلم ذلك ..
الله يعلم ذلك , والشيّطان ينتظر فرصةً مهمّة كهذه حتّى يحتلّ مكاناً كهذا .
إن لم يكن احتلّه بالفعل .
لكنّ هذا اليوم سيأتي , الثّورات العظيمة في كلّ العالم كانت بسبب قائِد فاشل , وشعب رافض , مشى مثل القطار على جسد حكّامه دون شفقة وبلا رحمة ..

أنا أتحدّث معك الآن ولا أروّج لنزاهتي , أو قدراتي , أو كرامتي , ولا أستعرض أمامكم عضلاتي الكِتابيّة .
لكنّي أعرف أنّي مررتُ بتجارب عديدة , وأنّي ” اسفنجة ” آدميّة .
امتصّيت كلّ الخبرات التي تسرّبت من تحتي , ومن فوقي , وبجانبي , ومن خلالي .. عبر رؤساء أداروني بكلّ اقتدار , وعبر مرؤوسين أدرتهم بكلّ أمانة .

نحن نعلم يقيناً أن البضاعة الرديئة تُلفَظ من السّوق عاجلا أو آجلاً , لا يشتريها أحد وتكسد حتّى تبلى .
البضاعة الجيّدة تسود .. وتنتشر
قبل أن تمضي يا سيّدي الكريم , إغرس شجرة طيّبة .
روّج لبضاعتك , أنت تاجِر شاطِر لا أشكّ في هذا أبداً .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.