ثلاثة رجال , ثلاثة نِساء , شيطانٌ واحد … وجريمة قتل !.

 

[ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ | لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ | إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ | فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِين ] *

* المائدة : 27 , 28 , 29 , 30

——————————–

ما لذي حصل على الأرض قبل أكثر من مليوني سنة ( تقريبا ) .! .

سبعة أفراد على الأرض .. سبعة فقط .

على مسرح الجريمة كان هناك :
ثلاثة رجال , ثلاثة نِساء , شيطانٌ واحد … وجريمة قتل !.

أوّل جريمة قتلٍ في التاريخ ; كانت من أجلِ المرأة , من أجلِ الحبّ , من أجلِ الغيرة .

ومن أجل أن يتزوج اختهُ ” بلوزا ” , قتل قابيل أخيهِ هابيل .
كانت أمّ الدّنيا “حوّاء ” مشغولة جداً في ذاك الوقت ; تلدُ ابناً وبنتاً في كل بطن , ومن المفترض أن يتبادل الرجال النساء _ وفقا لآلية التناسل التي فرضتها ظروف ذاك الزّمن _ ولهذا فكان من الطبيعيّ أن يتزوّج قابيل أختَ هابيل _ التي تجاهلها التاريخ تماماً _ على أن يتزوّج هابيل من بلوزا ..

لكن قابيل أحبّ بلوزا , و.. ” القلبُ وما يُريد ” ..
أحبها وأرادها لنفسه, .
وقتل أخيه في لحظة حبّ , في لحظة كُره , في لحظةِ قوّة , في لحظةّ ضعف , في لحظة أمل , في لحظة يأس , مع سبقِ إصرارٍ , ودون أيّ تخطيط ..
وبسرعة فائقة :
” دُم دُم دُم دُم دُم دُم ” .. هشّم رأسه بصخرة ..

لماذا حوكم قابيل على أنه أوّل مجرمٍ في التاريخ , ولم يوصف بأنه أول عاشقٍ في التاريخ ؟! ..
لماذا قيل أنه قتل أخيهِ بدمّ بارد , ولم يُقال بأنّ الحبّ والغيرة أضرمتا النار في جمرةِ قلبه .؟! ..
ولماذا كتب المؤرخون _ الذين لم يكونوا هناك بالمناسبة _ أنّه قتل أخيه دون رحمة , دون شفقة , وبعنف ودمويّة ووحشية ; وهو يقف كقالب ثلج , في الوقتِ الذي حضن فيه جُثّة أخيهِ بحرارة وبكى ..
بكى طويلاً , وكثيراً , وغزيراً ..

ولماذا ؟ :
غيّب التّاريخ شهادة ” بلوزا ” ؟! .
قابيل هذا .. هل كان قاتِلاً من الدرجة الاولى ؟ , نعم ..
لكنّه كانَ عاشقاً من الدّرجة الأولى أيضاً .
لو توقف الزمن في اللحظة التي رفع فيها قابيل الصخرة فوق مستوى رأسه .
وبالضّبط بالضّبط قبل أن يهوي بها على رأس أخيه , في هذا الجُزء من أهمّ ثانية في تاريخ الإنسانيةّ كلّها هذه اللحظة تهمني كثيراً وسأقولُ لكم لماذا :
تلك أوّل لحظة حبّ , أوّل لحظة غيرة , أوّل لحظة غضب , أوّل جريمة قتل , أوّل لحظة ندم , أوّل حالة بكاء , أوّل قاتل , أوّل قتيل , أوّل قبر , أوّل , وأوّل , وأوّل , وأوّل , وأوّل ..
عدّوا معي ..
عدّوا وستتعبوا كثيرا لأن التاريخ هناك كتبَ أول ” كل شيء ” ..

لو طلبت منكم الآن بهدوء أن تُحضّروا قهوتكم , وتُطفئوا الأنوار , وتجلسوا على الصّوفا , وتوقفوا المشهد في تلك اللحظة تحديداً , وتسألوا أنفسكم معي :
– ” مالذي رآه قابيل في تلك اللحظة ” ؟! ..
مالذي جعله يحمل صخرة من الأرض , ثمّ يرفعها فوق مستوى رأسه , ويُلقي بها على رأسِ أخيه ؟! ..
بسرعة , دون تفكير , ودون أيّ تردد .؟! .

أنا ؟ , ..
أنا أقول لكم هذا من خلال رؤية مختلفة , ..
وتجارب إنسانية متراكمة , وقاسية , ومؤلمة , وعميقة , ومؤثرة , وممتدة , ..
وهذا الرأي غير ملزم لكم بالتأكيد :
– ” قطعاً قابيل لم يرَ هابيل ” .. إطلاقاً .! .
كان قابيل _ في تصوري _ يرى أبعد من ذلك , وأهم من ذلك , وأجمل من ذلك ..

كانت ” بلوزا ” تقف بشعرها الطويل حتى ساقيها خلفَ هابيل , وكان الشيطان يقف خلفَ بلوزا ..

وكنت أنا _ من زمنٍ آخر _ أراقب المشهد بدهشة , وبصمت , وبإنصات شديد .. ودون حراك .! .

 

 
تخيلوا ..
أنا أشفق على هذا الرّجل ..
كل تلك المشاعر الإنسانية صُبّت في قلب , وروح , وعقل , وجسد ” بني آدم ” واحد ..
كل تلك المشاعر التي لم تجرّبها البشريّة إطلاقاً , وكانت تجربها ذاك الوقت لأول مرة ; جرّبها رجلٌ واحد ” لوحده “, في لحظة واحدة , ودُفعة واحدة .

قابيل الذي لُطّخَت سمعته , وأهين , وجُرّم , وعوقِب , ونُبِذ , ووصف بأنه أوّل من ارتكبَ جريمة في تاريخ الإنسان ..
قدّم قلبهُ قرباناً لتعرف الإنسانية اسم وشكل وطبيعة أول مشاعر آدمية .
عدّوا على أصابِعِ يديكم :
الحُبّ , الغيرة , الحسد , الكُره , الغضب , الحيرة , النّدم , الـ .. بُكاء .
لماذا يقتل الرجل من أجل المرأة ؟! .
لماذا يُزَجّ العُشّاق جماعاتٍ في السّجون , والقُبور , وفَرادى في القُلوب المُظلمة ؟! ..
لماذا يقفون بشجاعة على المشانق , وتحت المقاصِل , ووسط المَطر والرّيح ورَصاص البَنادق ؟! ..
لماذا يهيمون حَزَانى في الصّحارى , والأودية , والجبال .. يقولون شعراً .. ويتبعهمُ الغاوون ؟!

لماذا يحدث ذلك كلّه , ثمّ _ وببساطة شديدة _ تغيب المرأة التي ضيّع من أجلها العاشق عمره .. بعد شهر , شهرين , ثلاثة على الأكثر ..
لا تقف على شاهدِ قبرهِ , ولا تُنشد شعره , ولا تزور ..

نعم .! ..

” قتّش عن المرأة ” ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ نابليون بونابرت
لماذا لم نسمع بأنّ امرأة قتلت من أجل الحبّ .. ؟! ..
لأن المرأة أذكى من أن تفعل ذلك .
لأنّ المرأة أقلّ حبّاً , أكثر صبراً , وابعد نظراً ..
ولأنّ الرجل أكثر ” خيبة , أكثر ” خيبة , أكثر ” خيبة .

ثقوا بي ..
الرجل عندما يحبّ لايرى أبعد من أرنبة أنفه , والمرأة عندما تحبّ يطول أنفها أبعدَ مما نتصوّر .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.